بحث حول ازمة جنوب شرق اسيا
خطة البحث
المقـدمـة.
المبحث الأول: ماهية الأزمات المالية
المطلب الأول: مفهوم الأزمة المالية.
المطلب الثاني:تصنيف الأزمات المالية.
المطلب الثالث: أسباب حدوث الأزمات.
المبحث الثاني: أزمة جنوب شرق أسيا.
المطلب الأول: أسباب ومراحل حدوث الأزمة.
المطلب الثاني: انفجار وانعكاس الأزمة.
المطلب الثالث: أثار الأزمة وسياسة علاجها.
الخاتــمــة
المقـدمـة
إن الازدهار و الصحوة الاقتصادية التي شهدتها دول جنوب شرق آسيا ابتدءا من
الثمانينات انعكس بالإيجاب على المؤشرات الاقتصادية الكلية، الذي أعطى
انطباعا جيدا لهذه الدول بان تملك اقتصادا قويا تواجه به اقتصاديات الدول
المتقدمة والذي أدى بها إلى تبني سياسات تفتحية بعدما كانت منغلقة لحماية
اقتصادها والتي من بينها تحرير التجارة الخارجية، تعويم العملة
الوطنية،وفتح الأبواب الخاصة أمام الاستثمار الأجنبي...
في أوائل مايو1997ألمحت اليابان إلى أنها سوف ترفع معدلات الفائدة للدفاع
عن الين الياباني،إلا انه لم يتجسد وأصابتها أزمة مالية أثرت على
اقتصادها،و تسببت في تدهور حاد في الأسواق المالية .
حيث شهدت الأسواق المالية لدول النمور الأسيوية ׃ تيلاندا، فلبين، كوريا
الجنوبية،ماليزيا، تايوان،اندونيسيا، سنغافورة،وهونغ كونغ....انهيارا كبيرا
مما يستدعي لنا طرح هذه الإشكالية في بحثنا هذا׃
-كـيـف حـدثـت الأزمــــة الأســـيــويــة؟
وفي تمعننا لهذه الأزمة تندرج الأسئلة التالية׃
-ماهي الأسباب الحقيقية للأزمة؟
-انعكاساتها على هذه الدول؟
-ماهي الحلول التي اتبعتها لمعالجة الأزمة؟
الفرضيات׃
يمكن تلخيص الفرضيات التي بنيت عليها هذه الدراسة فيما يلي׃
-قلة الصادرات و عجز في الميزات التجاري.
-انخفاض قيمة العملة.
-أزمة مفتعلة من طرف أمريكا محاولة منها كسر الاقتصاد الياباني.
- الاعتماد الكبير على التدفقات المالية من الخارج، سواء في شكل قروض أو
استثمار أجنبي مباشر، إلى جانب الاقتراض الخارجي غير المغطى من قبل القطاع
الخاص المحلي.
المبحث الأول: ماهية الأزمات المالية.
لقد كان للأزمات المالية وقع و أثر كبيرين على اقتصاديات البلدان، إذ
أنها غالبا ما سببت تدهورا حادا في الأسواق المالية، نظرا لفشل الأنظمة
المصرفية المحلية في أداء مهامها الرئيسية و الذي ينعكس في تدهور كبير في
قيمة العملة و في أسعار الأسهم. وبالتالي التأثير السلبي على قطاعات
الإنتاج والعمالة، وما ينتج عنه من إعادة توزيع للدخول و الثروات فيما بين
الأسواق المالية الدولية ككل.
المطلب الأول: مفهوم الأزمة المالية
الأزمة المالية يمكن تعريفها على أنها تلك التذبذبات التي تؤثر كليا
أو جزئيا على مجمل المتغيرات المالية ، حجم الإصدار، أسعـار الأسهـم و
السندات، و كذلـك اعتمادات الودائع المصرفية، و معدل الصـرف هـذا الاختلاف
في تقديـر الظـواهر الخاصة بالارتفاع و الانخفاض يستلزم فترة طويلة
لتفسيرها.
و عادة ما تحدث الأزمات المالية بصورة مفاجئة نتيجة لأزمة ثقة في النظام
المالي مسببها الرئيسي تدفق رؤوس أموال ضخمة للداخل يرافقها توسع مفرط و
سريع في الإقراض دون التأكد من الملاءة الائتمانية للمقترضين، وعندها يحدث
انخفاض في قيمة العملة، مؤديا إلى حدوث موجات من التدفقات الرأسمالية إلى
الخارج.
و قد عرف الاقتصاد الدولي عدة أزمات مالية إبان فترة الكساد العظيم خلال الفترة 1929 - 1933
حيث ارتبطت أسباب هذه الأزمة بالظروف العالمية السائدة حقبة ما بعد الحرب
العالمية الأولى، و بالفكر الكلاسيكي السائد آنذاك. كما تعرضت بورصة
نيويورك سنة 1987 إلى الانهيار و حققت خسارة قدرها 500 مليار دولار، ثم
المكسيك سنة 1994و1997 جنوب شرق أسيا التي سنتطرق إلى أهم أزماتها¹
المطلب الثاني: تصنيف الأزمات المالية
الفرع الأول: أزمة النقد الأجنبي.
تحدث الأزمة في النقد الأجنبي أو العملة، عندما تؤدي إحدى هجمات
المضاربة على عملة بلد ما إلى تخفيض قيمتها أو إلى هبوط حاد فيها،أو ترغم
البنك المركزي على الدفاع عن العملة ببيع مقادير ضخمة من احتياطاته، أو
رفع سعر الفائدة بنسبة كبيرة. و يميز بعض المحللين بين أزمات العملة ذات"
الطابع القديم " أو "الحركة البطيئة" و بين الأزمات ذات "الطابع الجديد"،
إذ أن الأولى تبلغ ذروتها بعد فترة من الإفراط في الإنفاق، و الارتفاع
الحقيقي في قيمة العملة
التي تؤدي إلى إضعاف الحساب الجاري غالبا في سياق من الضوابط المتزايدة على رأس المال، بما يؤدي في النهاية إلى تخفيض قيمة العملة
أما في الحالة الثانية، فإن القلق الذي ينتاب المستثمرين بشأن جدارة ميزانيات جزء مهم من الاقتصاد.
¹- Barthalon Eric, Crises financières: Revue problèmes économiques, n° 2595 , 1998
( سواء كان عاما أو خاصا ) بالثقة، يمكن أن يؤدي في مناخ الأسواق المالية و
الرأسمالية الأكثر تحررا و تكاملا إلى الضغط سريعا على سعر الصرف.
الفرع الثاني: الأزمة المصرفية.
تحدث الأزمات المصرفية عندما يؤدي اندفاع فعلي أو محتمل على سحب
الودائع من أحدى البنوك، أو إخفاق البنوك، إلى قيامها بإيقاف قابلية
التزاماتها الداخلية للتحويل، أو إلى إرغام الحكومة على التدخل لمنع ذلك،
بتقديم دعم مالي واسع النطاق للبنوك، و تميل الأزمات المصرفية إلى
الاستمرار وقتا أطول من أزمات العملة ، و لها آثار أقسى على النشاط
الاقتصادي، وقد كانت الأزمات نادرة نسبيا في الخمسينات و الستينات بسبب
القيود على رأس المال و التحويل ، و لكنها أصبحت أكثر شيوعا منذ السبعينات،
و تحدث بالترادف مع أزمة العملة.
الفرع الثالث: أزمة الديون.
تحدث أزمة الديون إما عندما يتوقف المقترض عن السداد، أو عندما يعتقد
المقرضون أن التوقف عن السداد ممكن الحدوث و من ثم يتوقفون عن تقديم قروض جديدة، و يحاولون تصفية القروض القائمة
و قد ترتبط أزمة الديون بدين تجاري (خاص)، أو دين سيادي (عام)، كما أن
المخاطر المتوقعة بأن يتوقف القطاع العام عن سداد التزاماته، قد تؤدي إلى
هبوط حاد في تدفقات رأس المال الخاص إلى الداخل، و إلى أزمة في الصرف
الأجنبي.¹
المطلب الثالث: أسباب حدوث الأزمات
و قد تحدث الأزمات لأسباب عديدة يمكن التنبؤ ببعضها، و البعض الآخر يصعب
قياسه بدقة، و تفيد الخبرات المتراكمة في تقدير الاتجاهات البورصية (
مثال: مؤشر داو جونز، كما حدث لأزمة نيويورك 1929 ) و قد ترجع أسباب
الأزمات إلى :
- التغيرات الدولية، من الكوارث و الحروب و الأزمات الاقتصادية و الحروب التجارية.
- المتغيرات المحلية في معدل التضخم (أسواق السندات )، و أسعار
الصرف ( أسواق العملات الحرة)، و أسعار الأسهم، و تغير أسعار الفائدة.
- التغيرات التكنولوجية مثل المنتجات الجديدة و الاختراعات، و تحول الطلب على المنتجات و الخدمات و هياكل محفظة الاستثمار.
- الإشاعات و المعلومات الملوثة غير الحقيقية.
- المضاربة غير المحسوبة.
و يترتب على الأزمات تدهور في الأسعار و الخسائر، و تدهور التداول في
البورصة، و فقدان الثقة في بعض الأوراق المالية، لذا يفيد الإفصاح المالي
في الكشف عن حقيقة التغيرات في البورصات و يمكن مواجهة الأزمات البورصية
إما بالانتظار أو بالانسحاب، أو بتطبيق التخطيط الاستراتيجي الفعال كما هو
موضح في الشكل، حيث يوضح الشكل أساليب التعامل مع الأزمات، و تشغيل آليات
البورصة سواء من حيث الانفراد بالقرارات أو التشاور ، أو تحقيق درجة عالية
من قبول العاملين و المتعاملين في البورصة، أو عدم تحقيق ذلك.²
_ مجلة التمويل و التنمية، ديسمبر 2002 ، ص 06¹
²_ فريد النجار، البورصات و الهندسة المالية، مؤسسة شباب الجامعة للنشر، 1998 – 1999، ص 207
المبحث الأول:أزمة جنوب شرق آسيا
شهدت الأسواق المالية لدول جنوب شرق آسيا( النمور الآسيوية) انهيارا
كبيرا منذ يوم الاثنين1997/10/2والذي أطلق عليه بيوم الاثنين المجنون حيث
ابتدأت الأزمة من تايلندا ثم انتشرت بسرعة إلى بقية دول المنطقة حينما سجلت
أسعار الأسهم فيها معدلات منخفضة بشكل حاد.
فانخفض مؤشر( Hang Seng ) بنحو1211 نقطة لأول مرة منذ أكثر من ثلاثين سنة،
إضافة إلى انخفاض مؤشرات بقية بورصات دول المنطقة، دون أن يكون متوقعا
انهيار هذه الأسواق بهذه الدرجة و السرعة نظرا لما تتمتع به اقتصاديات
الدول المعنية من معدلات نمو مرتفعة في السنوات الأخيرة ( %8 - %7 كمتوسط)،
وتنوع قاعدتها التصديرية، واندماج أسواقها و اقتصادياتها في الأسواق
العالمية...
المطلب الأول:أسباب الأزمة ومراحلها
الفرع الأول:أسباب الأزمة
وفقا لمؤشرات اقتصادية كلية، فقد ظهرت علامات مبكرة للأزمة والتي ساعدت في انفجارها الإختلالات التالية في الاقتصاد التايلندي:
1. الإنخفاض الحاد في قيمة الـ(Bhat)-العملة الوطنية التايلندية- بعد فترة
طويلة من الاعتماد على نظام سعر الصرف الثابت، وهذا ما حفز على الاقتراض
الخارجي وعرّض قطاع الأعمال و المال إلى المخاطر.
2. فشل السلطات العامة في تقليل الضغوط التضخمية الجامحة و المتجسدة بحالات العجز الخارجي الواسع و اضطراب أسواق المال.
3. ضعف الإشراف و الرقابة الحكومية و بالتالي تصاعد الشكوك السياسية حول
التزامات الحكومة، و مدى مقدرتها على إجراء الإصلاحات المناسبة لمواجهة
الأزمة.
4. إضافة إلى ما سبق، فقد ساهمت التطورات الخارجية في تفاقم الأزمة، وأهمها:
أ- التدفقات الضخمة لرؤوس الأموال إلى تايلندا وبقية دول المنطقة، في
منتصف التسعينيات، بسبب انخفاض أسعار الفائدة لدى الدول الصناعية في تلك
الفترة.
ب- أدى الإنخفاض في قيمة الدولار الأمريكي إلى منافسة العملات الآسيوية
التي ترتبط به بشكل أو بآخر، ثم إلى تضاءل درجة منافسة الدول الآسيوية في
الأسواق العالمية.
كما أن الدول التي تعرضت للأزمة، كانت تعاني من اختلالات اقتصادية داخلية، وذلك ما ساعد على تفشّي الأزمة، ومن تلك الاختلالات:¹
¹_ دونالد ماشيسون، الأزمات المالية في الأسواق الناشئة،مجلة التمويل و التنمية،FMI،المجلد 36،العدد3،جوان 1999،ص29
1) الاعتماد المفرط على التصدير لتحقيق النمو.
2) الاعتماد الكبير على التدفقات المالية من الخارج، سواء في شكل قروض أو
استثمار أجنبي مباشر، إلى جانب الاقتراض الخارجي غير المغطى من قبل القطاع
الخاص المحلي.
3) الإنخفاض الحاد في قيمة العملات المحلية.
4) ضعف الثقة بالأنظمة الاقتصادية و المالية نتيجة لضعف الثقة بالأنظمة السياسية القائمة أساسا.
5) نقص الشفافية، ويقصد بها عدم كفاية ودقة البيانات و المعلومات عن أداء
الكثير من الشركات و المؤسسات العامة و الخاصة، خاصة فيما يتعلق بالكشف عن
الحجم الحقيقي للاحتياطات الدولية للبلدان المعنية من النقد الأجنبي، مما
تسبب في فقدان كبير للثقة، وهروب رأس المال للخارج.
الفرع الثاني:تقسيم الأزمة المالية الأسيوية زمنيا
في أوائل ماي1997م ألمحت اليابان إلى أنها سوف ترفع معدلات الفائدة للدفاع عن الين الياباني.
في 2جويلية وبعد استخدام 33مليون دولار في التبادل الأجنبي أعلنت تايلاندا تعويم عملتها وتدخلت الفلبين للدفاع عن عملتها.
في 18جويلية وافق صندوق النقد الدولي على التوسع في الاعتمادات المالية لتشمل الفلبين بمقدار 1.1مليون دولار.
في 24جويلية انخفضت العملات الأسيوية بشكل مفاجئ وهاجم رئيس الوزراء الماليزي المضاربون.
في 13-14أوت وقعت الروبية الأندونسية تحت ضغط شديد و قامت أندونسيا بإزالة نظام إدارة سعر الصرف من خلال استخدام الباند.
في 20أوت أعلن صندوق النقد الدولي عن دعم مالي قدره 17.2مليون دولار
لتغطية العجز في تايلاندا بمبلغ 3.9مليون دولار يدفعها الصندوق.
في 28أوت غرقت أسواق الأسهم الأسيوية وكانت نسبة الانخفاض في مانيلا 9.3٪ وفي جاكرتا 4.5٪ .
في سبتمبر انخفض البيزو،الفليبني و الريجينت الماليزي و الروبية الأندونسية واستمرت في الانخفاض.
في 20سبتمبر أعلن مهاتير للوفود التي حضرت المؤتمر السنوي لصندوق النقد
الدولي في هونكونغ أن تجارة العملة تجارة غير أخلاقية ويجب توقفها.
في21سبتمبر أعلن جورج سورس أن مهاتير يمثل خطر عن بلاده.¹
_¹ عبد الحكيم مصطفى الشرقاوي، العولمة المالية و إمكانات التحكم عدوى الأزمات المالية، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية 2005 ص75 ص76
في8أكتوبر انخفضت الروبية ،وأعلنت أندونسيا عن البحث في الرغبة في مساعدة صندوق النقد الدولي.
في14أكتوبر أعلنت تايلاندا عن مجموعة من الإجراءات لتقوية القطاع المالي.
في20-23 أكتوبر دخل الدولار هونغ كونج في إطار الهجوم المتوقع ،هونغ كونج دافعت عن عملتها في الوقت ذاته تعرضت الأسواق لضرر شديد.
في28أكتوبر انخفضت قيمة الوون الكوري بمجرد بيع المستثمرين الكوريين للمخزون.
في نوفمبر أعلن صندوق النقد الدولي عن40مليون دولار لاستقرار القطاع النقدي في أندونيسيا.
في3-24نوفمبر توقعت الشركات المالية الكبرى في اليابان و كذلك أعمال الوساطة ،وانهارت أكبر عشرة بنوك.
في 21نوفمبر أعلنت كوريا الشمالية عن رغبتها في مساندة صندوق النقد الدولي.
في 3ديسمبر اتفقت كوريا وصندوق النقد الدولي على دعم مالي قدره 57مليون دولار.
في 5ديسمبر فرضت ماليزيا إصلاحات صارمة لخفض العجز في الميزان مدفوعاتها.
في 25ديسمبر أعطى صندوق النقد الدولي و آخرون 10مليون دولار قرض لكوريا الشمالية.
في 6جانفي 1998كشفت أندونيسيا النقاب عن الموازنة الجديدة و التي لا تتمشى مع سياسة التقشف لصندوق النقد الدولي.
في 12جانفي انهارت الشركات في هونج كونغ، وأعلنت اليابان أن حجم قروض البنوك الغير فعالة وصل إلى 580مليون دولار.
في 15جانفي وقعت أندونيسيا وصندوق النقد الدولي اتفاقية لإعادة الإصلاح الاقتصادي.
في 29جانفي اتفقت كوريا الجنوبية و30بنك على تحويل 24مليون دولار ديون
قصيرة الأجل ومستحقة في مارس 1998إلى قروض مضمونة عن طريق الحكومة.
في 31جانفي أمرت كوريا الشمالية بإغلاق 10بنوك من 14بنك تجاري.
في 2أفريل انحسر الإحساس بالأزمة، واستمرت أسواق الأسهم في الانتعاش.
_¹ عبد الحكيم مصطفى الشرقاوي، العولمة المالية و إمكانات التحكم عدوى الأزمات المالية، مرجع سابق ص77 ص78
المطلب الثاني:انفجار الأزمة وانعكاساتها على الأسواق
الفرع الأول: انفجار الأزمة
لقد أعطى نظام سعر الصرف الثابت في بلدان جنوب شرق آسيا (
تايلندا-إندونيسيا-الفيليبين-كوريا....) إحساسا زائفا بالأمن، مما شجع هذه
البلدان على إبرام ديون ضخمة مقومة بالدولار، إضافة إلى هذا فإن صادرات هذه
البلدان كانت ضعيفة في منتصف السبعينيات بسبب ارتفاع قيمة الدولار
الأمريكي مقابل الين الياباني و قيام الصين بخفض قيمة عملتها في عام 1994،
وقد انعكست تدفقات رؤوس الأموال الضخمة إلى الداخل و ضعف الصادرات في اتساع
عجز الحساب الجاري إضافة إلى أن قسما كبيرا من التدفقات كان في صورة
اقتراض قصير الأجل، ما جعل هذه البلدان معرضة للصدمات الخارجية.
وبفعل عمليات المضاربة على سعر العملة وتدني الأرباح في أسواق الأسهم،
اضطرت السلطات النقدية في تلك الأسواق إلى رفع سعر الفائدة بهدف وقف
التحويلات من العملة الوطنية إلى العملات الأجنبية خاصة الدولار الأمريكي و
محاولة تشجيع مختلف المستثمرين الحائزين للدولار الأمريكي على تحويل
المبالغ الموجودة لديهم إلى العملات الوطنية. وعليه فقد ارتفعت أسعار
الفائدة إلى حد %25في تايلندا، و%35 في كوريا، وظلت عند هذا الحد لعدة
أيام، مما اضطر بالمستثمرين في هذه الأسواق إلى التخلي عن الأوراق المالية
و إيداع قيمتها في البنوك للإستفادة من سعر الفائدة المرتفع. مما نتج عنه
زيادة المعروض من الأوراق المالية في السوق دون أن يقابله طلبات شراء و هذا
ما أدى إلى انخفاض شديد في أسعار الأسهم وصل إلى%25 و %50 من الأسعار
السائدة في السوق.¹
اعتبر المحللون تايلاندا ،ماليزيا ،تايوان وهونغ كونغ حلقات مرتبة من
الأقوى إلى الأقوى إلى الأضعف،ومعيار الضعف و القوة هو درجة التأثر
بالأزمة:
1. الأزمة في تايلاندا:
وقد بدأت الأزمة في تايلاندا حيث أنها تعتبر أضعف الحلقات في المنظومة
الأسيوية وكان ذلك في جويلية1997حيث قام ستة من تجار العملة في بانكوك
بالمضاربة على خفض سعر الباهت وذلك بعرض كمية كبيرة منه للبيع مما أدى إلى
انخفاض قيمته بالنسبة للعملات الأخرى.وتزامن هذا مع فشل الحكومة في الحفاظ
على قيمة عملتها بعد تآكل الاحتياطي النقدي الأجنبي لديها، مما أدى بها إلى
خفض رسمي في قيمة العملة تسبب و بصورة فورية في تراجع حاد لأسعار الأسهم
بعد أن قرر الأجانب الانسحاب من السوق.
¹_مروان عطون، الأسواق النقدية و المالية (البورصات و مشكلاتها في عالم
النقد والمال ) ، الجزء الثاني، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1993.
2. الأزمة في ماليزيا:
ومن تايلاندا انتقلت العدوى إلى ماليزيا حيث تراجع سعر الرجينت الماليزي
بنسبة 40٪ مما أدى إلى انهيار الأسهم ، وتواكب مع قيام المضاربين في
ماليزيا وعلى رأسهم "جورج ساروس"بالمضاربة على مشتقات لتحقيق أرباح
بالملاين خلال فترة وجيزة مما أدى إلى انخفاض قيمة الريجنت الماليزي أمام
الدولار الأمريكي، وانخفاض الأسهم وهو انخفاض لا علاقة له بالأداء الحقيقي
للاقتصاد الماليزي.
3. الأزمة في تايوان:
أما بالنسبة لسوق المال في تايوان فقد كانت تبدو أبعد البلدان عن مواجهة
انهيار سعر العملة ذلك لمؤشراتها الاقتصادية القوية من ناحية السيطرة على
عجز الموازنة وفائض الحساب الجاري، ورواج الصادرات و النظام المصرفي
السليم، وكذلك احتفاظ البنك المركزي بأكثر من نحو 80مليون دولار كاحتياطات
أجنبية بما يكفي لمواجهة أي عمليات مضاربة.
إلا أنه مع انهيار العملات الأسيوية، سعت الحكومة التايوانية للحفاظ على
سعر صرف مستقر لعملاتها ولذلك انفق البنك المركزي نحو 5ملاين دولار وذلك
للحفاظ على معدل 28.6دولار تايواني مقابل دولار أمريكي واحد.
وبالرغم من أن الحكومة التايوانية حافظة على الدولار التايواني متماسكا إلا
أنها لم تستطع نفس الشيء بالنسبة لسوق الأوراق المالية حيث انخفضت مؤشر
سوق المال في تايوان بنحو 20٪ تقريبا.
4. الأزمة في هونغ كونغ:
أما بالنسبة لهونغ كونغ فكانت أقوي الحلقات،و كان الاعتقاد السائد هو صعوبة
تخفيض قيمة عملتها نظرا لوجود احتياطات ضخمة لديها من العملات الأجنبية،
وعندما امتدت شرارة المضاربات في الأسواق الأسيوية الأخرى إلى هونغ كونغ
رفعت السلطات الحكومية بها سعر الفائدة إلى20٪ فحدث تحول ضخم كبير ونزحت
الأموال من سوق الأوراق المالية إلى الأسواق النقدية مما أدى إلى انهيار
أسعار الأسهم و السندات.¹
¹_د.طارق عبد العال حماد،التطورات العالمية و انعكاساتها على أعمال البنوك،دار الجامعة طبع -نشر و توزيع 1999 الإسكندرية ص233 -234
الفرع الثاني: انعكاسات الأزمة على الأسواق الأخرى
منذ أن وقع أول هجوم على الـ(BAHT) التايلندي في جويلية 1997، انخفضت
أسعار العملات و الأصول في كل آسيا نتيجة هروب رؤوس الأموال من أسواق هذه
البلدان.مما كان له تأثير مدمر وواسع المدى على اقتصاديات العديد من دول
المنطقة و حتى البعيدة منها. وكانت كل من دول كمبوديا، جمهورية اللاوس...من
بين الدول الأكثر تضررا من انتشار عدوى هذه الأزمة
ففي هاتين الأخيرتين تباطأت قوة دفع الإصلاحات بصورة كبيرة و بالتالي لم
يتم علاج نقاط الضعف الأساسية في اقتصادياتهما، حيث فقدت الإصلاحات
الهيكلية في كمبوديا القوة الدافعة مع ازدياد التوترات السياسية خلال النصف
الأول من عام 1997. وتباطأت إلى حد كبير في النصف الثاني من نفس العام،
بسبب تفاقم نقاط الضعف في تعبئة الإيراد و إدارة الإنفاق العام، فبدأت
الدول المانحة (المقرضة) توقف مدفوعاتها بسبب عدم الاستقرار السياسي، وأخذت
ثقة المستثمر الخاص تضعف، كما كانت إصلاحات جمهورية لاوس مثبطة منذ
1997وتفاقم ضعف الإدارة الاقتصادية نتيجة بطء بناء توافق الرأي في عملية
اتخاذ القرار، مما صعب من مهمة تصدي سلطات البلاد بسرعة للتدهور الاقتصادي
الذي انتاب الاقتصاد المحلي، وفي أعقاب هذه الأزمة انخفضت تدفقات رؤوس
الأموال الأجنبية نحو جمهورية لاوس بنسبة %91، وتعرضت كمبوديا لانخفاض يقدر
بنسبة %45 بسبب هذه الصدمة، إضافة إلى الاضطراب السياسي المحلي الذي بلغ
ذروته بالإطاحة برئيس الوزراء الأول الأمير "نوردوم راناريده" في جويلية
1997، والذي كان له تأثير كبير على الأداء الاقتصادي لكمبوديا. وإضافة إلى
هذه التحولات و الانهيارات بدأت عملتي البلدين تفقدان قيمتهما، حيث هبطت في
بداية الأمر قيمة الريال الكمبودي بسرعة أقل من سرعة تغير العملات
الآسيوية الأخرى نتيجة للدولرة المكثفة للاقتصاد الكمبودي.¹
غير أن عملة الـ(كيب) في جمهورية اللاوس تأثرت بصورة خاصة بتقلبات أسعار
الصرف التي هزت المنطقة نظرا لارتباطها الوثيق جدا بالـ(باهت) التايلندي،
وفيما بين جويلية1997و جوان1998 فقد الـ(كيب) ما يصل إلى %70من قيمته أمام
الدولار، وبدأ التضخم في الارتفاع، وبدرجة أكبر في اللاوس مقارنة بكمبوديا،
و كان الأثر الاجتماعي كبيرا، وفي كلا البلدين، أطلق تزايد ضعف الثقة في
الاقتصاد الكلي و أيضا في العملتين العنان لتدفق الأموال إلى خارج النظام
المصرفي.
ومن بين الآثار الإجتماعية لأزمة آسيا في البلدين مايلي:
أولاً: في كمبوديا:
- أفضى الجفاف و الصادرات غير القانونية، الواسعة النطاق للأرز إلى تايلندا
و فيتنام إلى نقص حاد في الأغذية في بعض المناطق، و بالإضافة إلى هذا قلل
الانكماش الاقتصادي من فرص استكمال الأفراد لدخولهم.
- زادت الهجرة من المناطق الريفية إلى الحضرية مما زاد الضغوط على البنية
الأساسية و الموارد الإجتماعية و الاقتصادية المحدودة، وتتفشى الأمراض
المرتبطة بالأوضاع السكنية البائسة، وعدم كفاية فرص الحصول على مياه نظيفة
وسوء التغذية.
¹ ظفار احمد،تأثير الأزمة المالية في آسيا على كمبوديا و جمهورية اللاوس،مجلة التمويل و التنمية،المجلد36،العدد3،سبتمبر1999،ص43
ثانياً: في جمهورية اللاوس:
- أفضى التضخم السنوي المؤلف من ثلاثة أرقام و الزيادات الكبيرة في أسعار
السلع الأساسية إلى تقليل الدخول الحقيقية و القدرة الشرائية، مما فرض
إجراء تغيرات في أنماط الاستهلاك و الادخار وتم تعديل النظم الغذائية
وتخفيض الإنفاق على الكساء.
- زادت تكلفة اللوازم المدرسية و الأدوية بصورة كبيرة فوق طاقة الكثير من الأسر الريفية الفقيرة.
- تبدلت الأنماط التقليدية لهجرة العمل، وتناقص عدد العمال الصينيين الذين
كانوا يهاجرون من قبل جنوباً إلى أودوماكسي للعمل في صناعة التشييد مع
ازدياد ضعف الـ(كيب)، مما وفر وظائف في هذه الصناعة لعمال لاوس وفي نفس
الوقت تعرض عمال لاوس في تايلندا المجاورة لضغط العودة إلى وطنهم.
المطلب الثالث:آثار الأزمة وسياسة علاجها
الفرع الأول:آثار الأزمة
أولاً: آثار الأزمة على الدول المعنية بها:
أدت الأزمة المالية لدول جنوب شرق آسيا إلى إلحاق العديد من الأضرار على
اقتصادياتها و على مناخها السياسي و الاجتماعي، ولعل من أهمها:
1. تضاءل الثقة بالأنظمة الاقتصادية -خاصة المالية منها- والسياسية القائمة.
2. الانسحاب المفاجئ لرؤوس الأموال الأجنبية في الوقت الذي ساهمت هذه
الأموال في رفع معدلات النمو لهذه الدول خلال السنوات الأخيرة و خاصة في
القطاعات الموجهة للتصدير.
3. ثم إن هذه التحويلات الرأسمالية للخارج ستنسحب إلى خفض في الإنفاق العام و الخاص وزيادة عجز الحساب و تفاقم في المديونية للخارج.
ثانيا: آثار الأزمة على الصعيد العالمي:
يمكن القول أن آثار الأزمة المذكورة على الصعيد العالمي يحتمل أن تأخذ البعدين التاليين معا:
1) أدّت الأزمة إلى تدهور في مؤشرات البورصات الأوروبية، وانخفاض في أسعار
الأسهم و خاصة لكبريات الشركات متعددة الجنسيات، وبالتالي من المتوقع أن
يؤدي ذلك إلى هبوط عام في الأسعار و إلى حدوث بطالة قد تجر إلى ثورات
اجتماعية.
2) غير أن هذا الانخفاض في قيمة عملات الدول المعنية بالأزمة، سينجم عنه
تزايد في عرض المنتجات الآسيوية في الأسواق العالمية نظراً لانخفاض
أثمانها، و إذا ما استمر هذا الحال سيعود الانتعاش الاقتصادي ثانية لدول
المنطقة على المدى الطويل.¹
¹- ظفار احمد،تأثير الأزمة المالية في آسيا على كمبوديا و جمهورية اللاوس، مرجع سابق ص44
الفرع الثاني:سياسة المتبعة لعلاج الأزمة
كان صندوق النقد الدولي بمثابة المفتاح الرئيسي أو اللاعب الأساسي في تنسيق
الدعم النقدي لاقتصاديات الدول الآسيوية المضطربة ، و يقول القائمين على
أمر الصندوق أنهم من أزمة البيزو المكسيكي في سنة 1995 و انه طبق إجراءات
الطوارئ التي مكنته من التجاوز مع كل أزمة في اي دولة آسيوية في الموعد
المناسب ، و أهداف صندوق النقد الدولي الرئيسية تتركز في توفير الاستقرار و
التوسع المتوازن في التجارة و النمو ، و لكن بسبب الأزمة المالية الآسيوية
فإن صندوق النقد الدولي قد عمق أنشطته في أربع اتجاهات (في أربع أدوار) و
هي :
1/ تدعيم و تقوية الدور الإشرافي لصندوق النقد الدولي على سياسات الدول و الأعضاء
2/المساعدة في تقوية و تشغيل الأسواق المالية ( المساعدات الفنية )
3/تقديم المشورة السياسية و المساعدات المالية بسرعة عن ظهور الأزمة
4/المساعدة في ضمان عدم تهميش الدولة العضو و زيادة فعالياتها في جذب الاستثمار الخاص¹
لكن تعرض دور صندوق النقد الدولي في برامج الإنقاذ الآسيوية إلى انتقاد
حاد. لأن المبدأ الأساسي الذي ترتكز عليه لبرامج الإنقاذ التي يشرف عليها
صندوق النقد الدولي لا تناسب الأزمة، فهو يقدم أمولا بشروط تقضي بفرض نظام
مالي منضبط.كانت تايلندا واندونيسيا و كوريا الجنوبية قد خفضت قيمة عملتها
قبل المباشرة ببرامج الإنقاذ ولهذا لم يفرض عليها هذا الشرط من قبل صندوق
النقد الدولي.لكن شروط أخرى مثل رفع معدلات الفائدة و التصنيف على عمليات
التسليف و خفض الإنفاق في القطاع العام، كانت متضمنة من الممكن ان تكون هذه
الشروط فعالة في دول تعاني عجز كبير في الموازنة أو من دين عام ضخم .
والعلاج الاعتيادي المتبع من قبل صندوق النقد الدولي لن يجد نفعا في حالة
اقتصاد دول جنوب شرق آسيا لان طبيعة الأزمة مختلفة،ومع فرض سياسة مالية
متشددة فان ضغوط الانكماش على الاقتصاد سوف تزداد بصورة مماثلة فان شرط
صندوق النقد الدولي لزيادة معدلات الفائدة من اجل اجتذاب الاستثمارات
الأجنبية سوف يؤدي إلى نتائج عكسية،حيث ستتعرض كثيرا من الشركات
للإفلاس،مما يجعل عملية الانتعاش الاقتصادي أكثر صعوبة.
¹- عبد الحكيم مصطفى الشرقاوي، العولمة المالية و إمكانات التحكم عدوى الأزمات المالية، مرجع سابق ص107
وتتضمن صفقات صندوق النقد الدولي لإنقاذ اندونيسيا وتايلاندا وكوريا الجنوبية شروطا مرتبطة وجدول أعمال منطقة التجارة الدولية.
في كوريا الجنوبية فان برنامج الإنقاذ ينص بوضوح على مايلي ׃سوف تحدد جداول
زمنية متطابقة مع التزامات منطقة التجارة الدولية،خلال أول مراجعة لإلغاء
الدعم المتعلق بالأمور التجارية،إلغاء القيود على رخص الاستراد،إلغاء برامج
تنويع الاستراد،تسهيل وتحسين الشفافية في عمليات التصديق على البضائع
المستوردة.
وفي برامج الإنقاذ الاندونيسي العنصر الأساسي هو حد تحرير التجارة و
الاستثمار الأجنبي البرنامج المتوسط الأمر لتخفيض إضافي في الحواجز
التعرفية و يتضمن مجموعة من المواد كانت منشأة سابقا.وبالتالي فان برامج
الإنقاذ هذه تعرضت لانتقاد شديد، فقد طالب البعض علماء الاقتصاد مثل ׃جيفري
سالس صندوق النقد الدولي باعتماد مزيد من الشفافية لشرح الطريقة التي
يتبعها لانجاز برامج الإنقاذ، بينما طالب رئيس الوزراء تايلاندا بمراجعة
خطة صندوق النقد الدولي "لقد تغيرت الفرضية التي ارتكزت عليها شروط
البرنامج ، وسوف نسال صندوق النقد الدولي إذا كان لديه شروط لمراجعتها"
لم ينجح علاج صندوق النقد الدولي في تايلاندا و أندونيسيا حيث فقد المستثمرون ثقتهم وأصبحت أسعار العملات و الأسهم غير مستقرة.
وبالتالي فان صندوق النقد الدولي أصبح غير قادر على تحقيق انتعاش اقتصادي
في المنطقة الذي كان من قبل المؤمنين في سياسات السوق الحرة و العولمة فعلى
سبيل المثال الأستاذ جيفري سالس أستاذ في جامعة هارفود الذي أمضى حياته
المهنية مدافعا عن السوق الحرة وطرقة علاج الصدمة في الإصلاح الاقتصادي قال
مؤخرا انه عندما يكون الاقتصاد في حالة أزمة الأمر الأول يجب تذكره هو عدم
الاتصال ب صندوق النقد الدولي
المضارب جورج ساروس والذي لا يتعارض أيد سياسة صندوق النقد الدولي انتقد
دور الصندوق في عمليات الانقاذ الأسيوية ، وفقا لساروس ،القطاع الخاص غير
مؤهل لتخصيص اعتمادات تسليف عالمية ، لذلك يجب إنشاء مؤسسة جديدة الشركة׃
العالمية لتامين الاعتمادات تكفل القروض العالمية إلى حد معين يعتبر آمنا
بتقديرها.¹
¹-سنغ كقالجين، عولمة المال، دار الفارابي،بيروت، لبنان ، الطبعة الأولى 2001 ص154
حتى البنك الدولي انتقد برامج إنقاذ صندوق النقد الدولي، جوزيف ستيغليتر،
رئيس القسم الاقتصادي في البنك الدولي ، انتقد علنيا صندوق النقد الدولي
لفرضه برامج مكونة من معدلات فائدة مرتفعة، خفض الإنفاق و رفع الضرائب، لقد
حذر أن هذه التدابير قد ترفع هذه الدول إلى الركود الاقتصادي.
الولايات المتحدة الأمريكية أيضا تعارض صندوق النقد الدولي و إدارة كلنتوب
للإنقاذ بسبب برامج الانقاذ بصرف النظر عن انتقادات المنظمات غير الحكومية
ومجموعات القوى العاملة ومجموعات الحركات النسائية.
لجأت النمور الأسيوية إلى صندوق النقد الدولي و البنك الدولي كما بالتنسيق
مع بعض الدول المتقدمة كما ذكرت أعلاه بالتفصيل بالإضافة إلى إجراءات
اتبعتها لتتخطى هذه الأزمة و كملاحظة هامة فان ماليزيا هي الدولة الوحيدة
التي لم تقبل مساعدة صندوق النقد الدولي واتبعت الإجراءات التالية׃
-العامل الأكثر مساهمة في سرعة النهوض هو وجود ثروة بشرية مؤهلة تأهيلا عاليا قادرا على القيام بمستلزمات البناء و تصحيح الخلل.
-انتشار حكومات في التعليم وإعداد عمال مؤهلين.
-إقامة حملات إعلامية تقرب مفهوم و وضع الأزمة لأذهان شعبهم يشتى الطرق لبث الثقة في دولتهم.
-التأكيد عن وجود أسهم مستثمرة ومصداقيتها.
-عدم الاندفاع وراء سياسة القطيع بل يكون الاستثمار وفق أسلوب علمي.
-الانتباه لهزات بورصية.
-متابعة المؤشرات الاقتصادية الكلية للدولة، ومعرفة حجم الديون و الاستثمارات.
¹-سنغ كقالجين، عولمة المال، مرجع سابق،ص155
الــخــاتــمــة
لا شك في أن النجاح المتحقق في جنوب شرق آسيا قد أعمى المحللين
والمهتمين عن سلبيات تلك الأنظمة والإصلاحات التي تحتاجها . فالإصرار على
أسعار غير واقعية للعملات والمحاولات الخاطئة لتثبيت أسعار الصرف وأسعار
الفائدة في ظل أنظمة اقتصادية حرة إلى جانب ظهور الصين كمنافس قوي وضعف
الاقتصاد الياباني قد ترك أثراً سلبياً وواضحاً على صادرات معظم الدول
الآسيوية.
لقد كانت نتائج الأزمة حادة ، فإلى جانب انخفاض أسعار الأسهم والسندات
بصورة كبيرة ، انخفضت أسعار عملات تلك الدول بشكل كبير أيضاً حيث صاحب
الانهيار الحاصل في أسعار العملات انهيار مماثل في أسعار الأسهم المتداولة
في الأسواق المالية لدول جنوب شرق آسيا . إلى جانب ذلك ، يتوقع أن تؤدي
أزمة جنوب شرق آسيا أثراً إلى تراجع حجم التجارة العالمية خلال عام 1998
بحدود 2.5% مقارنة مع عام 1997.
هناك دروس عديدة يمكن تعلمها من أزمة جنوب شرق آسيا، وهي:
× لا بد من سلامة الجهاز المصرفي ليقوم بدور فعال في الوساطة المالية.
× تثبيت أسعار الصرف لا يتناسب وسياسات الحرية الاقتصادية على المدى الطويل.
× ان الاستثمارات الأجنبية المباشرة ، وليس الاستثمارات الساخنة في
الأسهم والسندات ، هي التي تخلق فرص العمل وتزيد الإنتاجية وتجلب المعرفة
الفنية ، وهذا أفضل بكثير مما تفعل الاستثمارات الساخنة.
× الاعتماد على التوفير هو الأساس في التنمية وليس الاعتماد الكبير على الأموال الساخنة.
× خطورة الاعتماد على الأموال القصيرة الأجل لتمويل الاستثمارات الطويلة الأجل.
× ضرورة أن تبقى الأساسيات الاقتصادية سليمة حيث لا يجوز التضحية بأي منها لمدة طويلة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق